دمج القيادة الواعية في الحياة اليومية من القوة إلي السلطة

أود أن أدعوكم بلطف للتأمل في كيفية دمج القيادة الواعية في الحياة اليومية


ليس فقط في العمل.
بل في عائلتكم.
في صداقاتكم.
في مجتمعكم.
والأهم من ذلك، في داخل أنفسكم.


دور القيادة الإدارية في تشجيع المورد البشري على الإبداع الإداري

أصبح نجاح المؤسسات الحديثة في ضمان بقائها وتحقيق نموها مرهونا بكفاءة وفعالية قياداتها الإدارية الواعية المدركة لأهمية الإبداع، الذي هو جوهر عملية التطوير والتغيير الفعّال، والذي أصبح مطلباً ضرورياً لمواكبة التغيرات والتطورات التي تفرضها التحديات الحالية والمقبلة، واعتماد مفهوم الإبداع من قبل المورد البشري متوقف على درجة الدعم والتعزيز الذي توفره القيادة الإدارية من خلال خلق بيئة ملائمة والإيمان والثقة في قدرات وإمكانات مواردها البشرية، وتشجيع وتفعيل قدراتهم الإبداعية.

دور القيادة البطولية

غالبًا ما نعتبر القيادة توجيهًا للآخرين. إنها أسلوب القيادة البطولية الذي يُنشئ أتباعًا.

القيادة هي أن تكون واعيًا.
وعيًا بنفسك.
وعيًا بالآخرين.

ووعيًا بالبيئة الأوسع التي تنتمي إليها.
تتجلى في القيم التي تُضفيها على علاقاتك.
تتجلى في نيتك. وفي كيفية إفساحك المجال للأفكار، والمشاعر، وللناس.
نشأ الكثير منا في ظل نموذج قيادة من أعلى إلى أسفل.
ليس فقط في أماكن العمل، بل في العائلات.
في المدارس.
في الثقافة.
غالبًا ما يكون الأمر خفيًا.
لاواعيًا.
ولكثيرين، يبدو مألوفًا.
يشعرون بالأمان.


القواعد واضحة. شخص آخر هو من يقرر. تبقى السلطة مركزية.

يُوفر هذا النموذج شعورًا بالنظام.

أدوار واضحة، وخطط واضحة، وخطوط سلطة واضحة.

ولكن مع مرور الوقت، قد يُنشئ أيضًا مسافة.

قد يُفصل الناس عن أصواتهم، وقدرتهم على التأثير، وعن بعضهم البعض. وقد يُعزز شعورًا هادئًا بالعجز، حيث ينتظر الكثيرون من هو المسؤول ليقود التغيير.

لكن القيادة ليست شيئًا ننتظره.

إنها شيء نعيشه.

لا تتطلب لقبًا.
ولا تحتاج إلى إذن.

يمكنك البدء من حيث أنت.

بطريقة استماعك.
بطريقة احترامك للآخرين وإدماجهم.
بطريقة تجسيدك لقيمك، خاصةً عندما يكون من الأسهل عدم القيام بذلك.

يمكنك القيادة بطريقة تُشارك السلطة بدلًا من احتكارها.
بطريقة تبني الثقة بدلًا من السيطرة.
بطريقة تُعزز الانتماء، وليس النتائج فقط.

قد لا تتصدر عناوين الصحف، لكنها ستُغير حياة الناس.

ومع مرور الوقت، يُشكّل هذا العالم الذي نفخر جميعًا بالعيش فيه.

لذا، فالسؤال ليس فقط كيف تقود، بل من تختار أن تكون في كل مساحة تلمسها.

تحديات القيادة في القرن الحادي والعشرين

يسير القائد في الشركات التقدمية على درب لم تَطَأْهُ قدم كثير من القادة الذين سبقوه. ربما لن يكون قادرًا على الحصول على النصائح بنفس السهولة، أو على الدعم الفوري من أصحاب المصالح والمستثمرين.

يرجى الانتباه إلى وجود الكثير من المأثورات المتعلقة بالقيادة. وفي كل عام يُنشر الكثير من الكتب التي تتحدث عن القيادة، وتضاف المزيد من القوانين إلى دستور مسلَّم به يحدد المعرفة الإدارية الراسخة. لا أرغب في الإضافة إلى ذلك، لا سيما إلى فكرة أن القيادة غير متاحة للجميع، وأنها موروث لقلة «خاصة» من البشر الذين قُدِّر لهم أن يصبحوا قادة.

لذلك لا تخف مما ستتناوله فيما يلي.

أنت تقود فعليًّا، لذلك لا بد أن تكون قائدًا بالفعل في أوقات مختلفة، وفي جوانب مختلفة في عملك وفي حياتك. لا أحد يجيد القيادة طوال الوقت. بدلًا من ذلك، إليك أفكارًا واحتمالات توضح لك كيف تستمر في التطور كقائد أكثر وعيًا، وأكثر قدرة من ذي قبل على القيادة في القرن الحادي والعشرين، وكيف تكون شخصًا يستطيع المساعدة في القيادة في عالم مختلف، وتغيير مؤسسته، وفريقه، ونفسه. هذا كل ما في الأمر!

ما الأمور التي تندرج تحت اسم القيادة «غير» الواعية؟

قبل أن ننظر إلى ما تحتاج أن تصبح القيادة عليه دعونا نفكر في القيادة التقليدية أولًا. قد تتساءل عما يعيب القيادة التقليدية. وفي حقيقة الأمر، فإنك على الأرجح لن تطرح هذا السؤال؛ لأن معظم الناس يزدرون القادة التقليديين إلى حدٍّ كبير هذه الأيام. ومن الدراسات الحديثة التي تؤكد ذلك مؤشر إدلمان للثقة، ذلك المؤشر الممتاز الذي يوضح انخفاضات كبيرة في الثقة في المسئولين الحكوميين وفي الرؤساء التنفيذيين (انظر قسم قراءات إضافية في نهاية هذا الفصل). لذلك دعونا نذكِّر أنفسنا بما أصبحت عليه القيادة إلى حد كبير في مجال الأعمال حاليًّا وغيره من المجالات.

في هذه الأوقات التي يسودها الشك، تفعل القيادة التقليدية ما يلي:

  • تحتفي بالجوانب التحليلية و«الواقعية» أكثر من الجوانب العاطفية والحدسية.
  • تستأثر بالسلطة بدلًا من توزيعها.
  • توزع المكافآت على نحو غير عادل، ولديها نفوذ قوي إلى حدٍّ كبير فيما يتعلق بتلك المكافآت غير العادلة.
  • لا تعكس التنوع في النطاق العريض من الموظفين من ناحية النوع، والعرق، والتوجه الجنسي، والأنواع الأخرى من التنوع.
  • يمكنها الازدهار والحصول على مكافآت كبيرة على الرغم من الأداء بالغ السوء.
  • منفصلة عن واقع أصحاب المصالح باستثناء العملاء (أحيانًا) والمستثمرين/الملاك والمجتمع المالي (دائمًا).
  • تفتقر إلى مهارات الحوار، والتأثير، والإبداع، والرؤية، والخيال.
  • لا تلتزم بوعودها.
  • تفتقر أساسًا إلى الأخلاقيات وقوة الشخصية.
  • تفضل النتائج قصيرة الأجل على الاستثمارات طويلة الأجل.

عن نفسي، أرى أن القيادة التقليدية ذكورية للغاية، وسلطوية وتحليلية بدرجة مفرطة، وتبالغ في الاعتماد على الإدارة التفصيلية، وتهتم للغاية بالنتائج قصيرة الأجل، وملتزمة على نحو بالغ تجاه قلة قليلة من أصحاب المصالح. إن أفكار القيادة التقليدية هي في الأساس أسلوب ومنهج أخرق بالنسبة للمجتمع الذي نعيش فيه. في الحقيقة، أنا متعجب من أننا تحملناها حتى الآن.

ومن ثم «لا بد» أن يتغير ذلك. حقًّا وقطعًا لا بد أن يتغير. ويجب أن نغيره بأيدينا.

فوائد القيادة الواعية

إذا كان سلوك الأفراد في المؤسسات يتغير إلى حد كبير، فمن الواضح إذن أن على القيادة التغير أيضًا. لماذا يجب أن نستثمر في هذا التغيير؟ قطعًا توجد فوائد مكتسبة من إطلاق قدرات الموظفين وإثارة شغفهم، كما أوضحنا في الفصل السابق.

علاوة على ذلك توجد فائدة بالغة القيمة. هل يمكنك أن تتخيل عالمًا تجاوزت فيه القيادة السمات الجيدة والسيئة التي وجدناها في القرن العشرين وتطورت عنها؟ هل يمكنك أن تتخيل المشاكل التي سوف تُحل في العالم من خلال عمل جيل جديد من القادة الواعين الذين يعملون بهدف وبحماس؟ هل يمكنك أن تتخيل كيف سيكون شعورك عندما تكون جزءًا من مؤسسات تزخر بهذا النوع من القيادة؟ هذه هي الجائزة، وهذا هو السبب!

وإذا استطعنا تجميع وتحفيز جيل كامل من القادة التقدميين، ماذا ستكون الفوائد؟

  • زيادة عدد المؤسسات الساعية إلى تحقيق هدف عظيم؛ مما يؤدي إلى عالم أفضل للجميع (بكل ما تحمله الكلمة من معنى!)
  • حياة مهنية أكثر صحة وسعادة ومعنًى لملايين الأشخاص إن لم تكن لمليارات الأشخاص.
  • مكافآت أكثر عدالة لكل المشتركين في العمل؛ مما يؤدي إلى مجتمع أعمال أكثر مرونة، ومجتمع أكثر نجاحًا.
  • مطالبة القادة بمعايير ومتطلبات أعلى مستوى في جميع مجالات الحياة، وظهور مجموعة جديدة من النماذج التي يُحتذى بها للمساعدة في شق الطريق وريادته.
  • بث قدر أكبر من القيادة الذاتية لدى الجميع.

يا لها من إمكانية مذهلة.

كيف إذن يبدو القادة الواعون؟

إليكم سبعة مقومات للقيادة الواعية:

  • (١) قيادة الذات.
  • (٢) الأسلوب.
  • (٣) الثقة والأخلاقيات.
  • (٤) الشفافية.
  • (٥) المكافآت.
  • (٦) التواصل/الزمن الفعلي.
  • (٧) الدعم.

ما هي قيادة الذات؟

مثلما يقدم هذا الكتاب الأفراد على القيادة، يجب أيضًا أن تقدم قيادة نفسك على قيادة الآخرين.

توجد نماذج كثيرة لأساليب إدارية كئيبة إلى حد مفزع لكنها ملحوظة، مثل: إدارة الفطر (وفحواها: «اتركهم في الظلام وأطعمهم الفضلات»)، وإدارة النورس (وفحواها: «اظهر على نحو مباغت، وتذمر بصوت عالٍ لبعض الوقت، وألقِ بفضلاتك على الجميع، ثم غادر مسرعًا») وهكذا. إننا نعلم بوجود هذه الأساليب الإدارية لأننا جميعنا رأيناها واختبرناها!

هل ستساعد هذه الأساليب القيادية المؤسسات على الازدهار في القرن الحادي والعشرين؟ لا أعتقد ذلك حقًّا. إذن ما الذي سمح بوجودها في المقام الأول؟ أمران: انعدام الوعي المؤسسي، وانعدام الوعي الشخصي.

مع زيادة الشفافية في المجتمع بصفة عامة، وداخل الشركات بصفة خاصة، سيتوفر المزيد والمزيد من التعقيبات العلنية على أداء المدير والقائد. ونظرًا لأن خطة العمل تهدف إلى جعل قاعات مجلس الإدارة أكثر شفافية ومساءلة، أمام المساهمين وأصحاب المصلحة في العموم، فإن هذه القوى نفسها ستؤدي مجددًا إلى صراحة ووعي غير مشهودين في السابق. سوف تدرك المؤسسة بسرعة أكبر، وبمزيد من الشفافية، الأمور التي تحقق النجاح، والأشخاص الذين يسهمون بالأداء؛ مما لا بد له أن يؤثر بطبيعة الحال على كل قائد وكل مدير. للشفافية زخم خاص بها، وسوف تفيض في أنحاء المؤسسة كافةً.

ونتيجة لذلك، في المؤسسة المتطورة سيكون من الصعب جدًّا قيادة الآخرين إذا لم تتعلم باستمرار، وتتحسن باستمرار في طريقة إدارتك لذاتك. (في الحقيقة، هذا هو الوضع في الوقت الراهن: الكثير من الأشخاص يفلتون بفعلتهم المتمثلة في اتباع أسلوب قيادي بالغ السوء؛ لأن العالم يسمح لهم بذلك.)

ولذلك فإن معرفة طريقة قيادة نفسك تعني معرفة إجابات الأسئلة التالية:

  • ما هدفي من هذا العمل؟ لماذا أرغب في مزاولته؟
  • ما الذي يحفزني وما الذي يثبطني؟
  • ما هي قيمي، وما هي القيم التي ألتزم بها، وما تلك التي لا ألتزم بها في هذا العمل؟
  • ما هي الأمور التي أعتقد أنها نقاط قوة ونقاط ضعف لديَّ، وكيف أتعامل معها بوعي؟
  • ما الأمور التي يعتقد الناس من حولي أنها نقاط قوة ونقاط ضعف لديَّ؟
  • كيف أتعافى من التحديات، وأستعيد حماسي، عندما تكون روحي المعنوية منخفضة؟
  • ما الأمور التي أجهلها، وما الأمور التي لا أعلمها عن نفسي؟
  • ما الأمور التي أميل إلى مقاومتها أو تجاهلها؟

معرفة إجابات هذه الأسئلة هي عملية تعلم مكررة ومستمرة. قد تتغير الإجابات مع مرور الوقت، أو قد تصبح أكثر وضوحًا (أو أقل). إن إدراك ضرورة الاستمرار في التفكير في هذه الأسئلة، وتطوير طرق عمل مكتسبة من تلك الإجابات وممارستها، هما أساس القيادة الذاتية. سنتناول في موضع لاحق من هذا الفصل بعض الممارسات التي تساعدك في تحديد تلك الإجابات في نفسك.

أسلوب القيادة

مثلما يختلف بعضنا عن بعض، كذلك تختلف أساليبنا ومناهجنا في التعامل مع الناس، ومن ثم في «القيادة». لا يوجد أسلوب واحد صحيح لهذا النوع من الأعمال المتطورة التي نتناولها خلال هذا الكتاب.

ورغم ذلك، يوجد بعض الموضوعات، أو حالات الشد والجذب الأسلوبية، اللازم إدراكها. أولى حالات الشد والجذب توجد بين كونك البطل الذي يحل كل المشاكل وكونك منسقًا أو مشرفًا على المجموعة.

ملخص القيادة البطولية

التعريف الرائج للقيادة هو أن القائد يركب حصانه الأبيض، الذي يتلألأ تحت شمس الظهيرة، مشهرًا رمحه عاليًا، ناظرًا بعينين مغمضتين قليلًا نظرة تنم عن العزم الشديد، فمه صارم جدًّا (نتحدث هنا عن قائد «رجل» بالتأكيد)، أذناه واعيتان، ذراعاه قويتان، يداه … إلخ، إلخ. أعتقد أنك فهمت الفكرة. وبما أنه وصل الآن، فالمشكلة سوف تُحل. سواء بالحكمة، أو بالقوة، أو بالشجاعة، أو بالحسم، هذا القائد سوف يحل المشكلة، وفي وقت قياسي! «تراجعوا أيها الأتباع! أنا سأحل المشكلة!»

شخصيًّا أجد هذا الأسلوب جذابًا للغاية، وأنجذب إليه عادةً. ومن أكبر عيوبي أنني أرغب في أن أكون البطل، ذلك البطل الذي يحل كل المشاكل. إذا كانت لديك الفكرة نفسها عن الطريقة المنوط بالقائد التصرف بها، فسوف تجد أن هذا الموضوع يَحُول دون إمكانية مشاركة الآخرين، وعمل المجموعة بأكملها، وتقدم الآخرين واضطلاعهم بالمسئولية. إلا أن هذا الأسلوب قد لا يكون الأمثل لإطلاق قدرة الفريق الكاملة من خلال المشاركة والممارسات الديمقراطية. ولإثارة شغف مؤسسة تضم أشخاصًا أذكياء تقدميين عرفوا حقيقة مغالطات المدرسة القديمة للقيادة، لن يكون هذا الأسلوب هو الأنسب. قد يكون لديك أسلوب مختلف، لكنه يعيق العمل بنفس الدرجة، مثل أسلوب العراف العليم أو مدير الإدارة التفصيلية بالغ التنظيم. فكر في الأمر.